أثر البيئة المحيطة في النجاح والفشل
منصور الجمري
أسئلة تتكرر عن طبيعة الإنسان، ولماذا أن شخصاً مثل ستيف جوبز (أمُّه أميركية) يتفوّق ويقود شركة «أبل» التي تنتج المعدّات والهواتف الذكية، وماذا كان سيحدث لو أن جوبز، مثلاً، لم يتخلَّ عنه والده السوري، وعاد معه إلى سورية؟ أيضاً، كيف يمكن للبنغالي جاود كريم (أمُّه ألمانية) أن يؤسس مع اثنين شركة «يوتيوب» YouTube، التي تغزو كُلَّ مكان عبر الانترنت بما تقدّمه من خدمات؟ وكذلك، كيف يمكن للإيراني الأصل «پير مراد أميديار» أن يؤسس الشركة الرقمية العملاقة «إي باي» eBay المتخصصة في التجارة الإلكترونية، وخدمات البيع، وما بعد البيع؟
هناك نماذج كثيرة يمكن التطرُّق لها، وليس مُستبعَداً لو أنّ مثل هؤلاء الأفراد تواجدوا في مجتمعاتهم التي تنتمي إليها أصولهم لربما أنهم قد يتخصصون في مهن وممارسات بعيدة كُلَّ البُعد عمّا هم عليه حاليّاً.
وسعياً للإجابة العلمية عن مثل هذه الأسئلة، فإنّ هناك من علماء الجينات والنفس والاجتماع من يطرح بأنّ «الجينات» الوراثية تتأثر بجانبين؛ الجانب الأول شخصي، وهذا ينتقل عبر الوراثة المباشرة، والجانب الثاني اجتماعي، وهو يتطوّر مع حياة الإنسان بسبب البيئة المحيطة. وللتوضيح، يستدل أحدهم بالقول إنّ كُلَّ واحد من الجينات gene يتكون من اثنين أو أكثر ممّا يُسمى بـ «أليل» allele، وكُلُّ «أليل» يعطي شكلاً من الأشكال البديلة لجينات الفرد. وعليه، بحسب هذا الرأي، فإنّ الشكل البديل يتطوّر بسبب سلوك الجماعة المحيطة بالفرد، ولذا يمكن لفرد بذيء جدّاً في بيئة معيّنة، أن يكون أديباً مرموقاً ومحترماً لو أنه عاش في بيئة مختلفة.
إن هذا يفسر كيف يتأثر الفرد ببيئة محيطة تضغط عليه وتدفعه باتجاه معيّن، ونحو مسلك حياتي معين؛ كما أنّ البيئة المحيطة تدفع هذا الفرد لأن يتنافس، ويبرز قوّته للفوز بمراتب متميّزة بحسب موازين المحيط الذي ينتمي إليه. ولذا فإنّ المبتكر لو نقلته إلى بيئة لا تعطي أيَّ تقدير أو اهتمام للمبتكرات الإنسانية التي تقدمها نماذج الشركات أعلاه، فإنه لن يستطيع تحقيق ما حققه جوبز وأمثاله. بل على العكس، فقد يتجه بعضهم لإعادة ابتكار العادات السيئة والأحقاد الجاهلية.
هذا الحديث يرتبط بمعاني الحياة، وكيف يمكن لمجموعة من البشر أن ترتقي إلى الأعلى عبر الاستفادة من بعضها البعض، بينما تتآكل مجموعات أخرى عبر إضعاف قدراتها الخلاقة. غير أن الإنسان، بصفته فرداً، قادرٌ على اختيار ما يراه ملائماً لجوهر معانيه، والمجتمعات أيضاً قادرة على اختيار ما يلائمها عبر تنشيط بيئة مناسبة لرؤيتها ورسالتها.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5033 - السبت 18 يونيو 2016م