غضب
مريم الشروقي
maryam.alsherooqi@alwasatnews.comقد لا تظن أنّ الحوادث التي حولك تجعلك في حالة غضب شديدة، وقد تظن أنّ بعض المواقف التي تمر في حياتك وجعلتك تغضب غضباً شديداً تنتهي في لحظتها وتنساها، وأيضاً قد لا تظن أنّ فقد الأحبّة سواء عن طريق الهجر أو الموت سيجعلك غاضباً لمدّة طويلة، ولكن في الحقيقة الغضب يبقى إن لم نُعبّر عنه أو نتكلّم أو نتعامل معه حتى ينتهي.
يجرحك أحدهم وتقول لا يهمّني، هو يهمّك في الداخل، ولكنك تصطنع عدم الاهتمام، لأنّ الطبيعة البشرية ليست جسداً فقط، بل هي جسد وروح ومجموعة من المشاعر، ولذلك نتألم من كلمة، ونبكي من موقف، ونغضب من تصرّف.
عندما تغضب تحزن وقد يوصلك الأمر للكآبة، وليت الأمر يتوقّف عند الكآبة والحزن، للأسف في بعض الأحيان يتحوّل الغضب إلى الجسد فتمرض، ويغزوك المرض، وإن كان المرض ليس ظاهراً قد يكون داخلياً في بعض الأحيان، فتشعر بالتّعب والإرهاق الشديد والنوم، لكي تتخلّص من نوبة الغضب، ولكنّها بالتأكيد لا تذهب.
أيضاً بعد الغضب يموت شيء بداخلك، فإمّا أن تفقد الثقة فيمن حولك، أو تفقد الحب الذي جاهدت من أجله، أو تتغيّر شخصيّتك تماماً، فتكون حاد الطبع، جاداً وغير قادر على التعامل مع الآخرين، لأنّ البعض شوّه داخلك الطيّب.
الرسول (ص) تحدّث كثيراً عن الغضب، وأعطانا دواء الغضب، ولكنّ من يستطيع الاستفادة من دواء الرسول، فهو صعب جداً في بعض الأحيان، وقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنه أَنَّ رجلاً قال للنَّبيِّ : أَوصِنِي، قَال: «لا تَغْضَبْ»، فردَّد مراراً، قال: «لا تَغْضَبْ». ورواه الترمذي أيضاً: جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ فقال: علِّمني شيئًا ولا تُكثرْ عليَّ لعلَّي أعيهُ، قال: «لا تغضبْ». فردَّدَ ذلكَ مراراً، كلّ ذلكَ يقولُ: «لا تغضَبْ».
ما جاء في أحاديث الرسول وفي قول علماء النفس إن الغضب مرض، وإن السكوت في بعض الأحيان حكمة، حتى لا تجرح وتُجرح، لأنّ الغضب سيفتح الكثير من الأبواب، أوّلها الهجر والقطيعة.
الخلاصة أنّنا بشر نغضب ونتألم ونسعد ونأمل، ما يهمّنا هو بعض الغضب، ما العمل؟ خاصةً إذا كنّا في موقف الحق، هل نجعل الغضب يتمكّن منّا أم نتمكّن منه؟ وبالطّبع سنقول بأنّنا نريد أن نتمكن منه، فما هي الآلية التي نتّبعها عند الغضب.
هناك كثيرٌ من الأمور التي نستطيع عملها من أجل أنفسنا، أحدها العفو، والعفو لا يعني الرجوع إلى الذين غلطوا بحقّنا وتعدّوا الحدود، ولكن العفو أن نُعطيهم سبباً لما قاموا به، حتّى نتصالح نحن مع أنفسنا، فهم قد لا يهمّهم غضبنا ولكن غضبنا يهمّنا، وإصلاح أنفسنا من الداخل يهمّنا أيضاً.
كذلك لابد أن نعي حقيقة مهمّة للجميع، بأنّ العفو عن الآخر ليس بالأمر السهل، ومن يصل إلى هذه المرتبة وصل إلى الحكمة، والحكمة لا تتأتّى إلا من الخبرة ومن المواقف، فلا تغضب لأنّك ستعيش في هذه الدنيا، وإن عشت في حالة غضب دائمة وفي غضب يتبع غضباً فلن تهنأ ولن تسعد، وهناك كثير من أمور الدنيا التي تستطيع من خلالها أن تسعد. وجمعة مباركة طيّبة من دون غضب.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5305 - الجمعة 17 مارس 2017م